منتدى الدريوش ريف

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    le fils du pauvre

    الخط الأحمر
    الخط الأحمر
    مبدع جديد
    مبدع جديد


    ذكر
    2
    العمر : 50
    لإقــامه : تاونات
    المهنة : صحفي/ أستاذ
    نقاط : 4
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 23/03/2011

    le fils du pauvre Empty le fils du pauvre

    مُساهمة من طرف الخط الأحمر الأربعاء مارس 23, 2011 7:49 am

    le fils du pauvre


    لماذا تُغتال أحلام الفقراء؟ لماذا الإصرار على إعدام طموحاتهم؟ ومنحهم شهادة الوفاة، حيث يعانق الفقر المنتظم الأمراض الفتاكة، ليتآكل الجسد الضعيف معلنا احتجاجا صامتا ضد قتلة الأحلام، لماذ؟

    في طفولتي المبكرة، لم يكن لدي وعي بالصراع الطبقي في أبعاده السياسية الخبيثة، ولكنني كنت أدرك جيدا الفرق بين تعامل المعلم بين أبناء وبنات الأثرياء وبيننا نحن أبناء الفقراء، كان ينادينا بأبشع الصفات، ويكيل لنا أحقر التوصيفات، أما السب والشتم، والضرب والركل والفلقة، فقد أصبحت من عادات وتقاليد مدرستنا، التي كانت المعلمة بعد حصة من الصفع و"المعيار"، تطالبنا بترديد نشيد "مدرستي الحلوة"، كنت أكره المعلم، وأكره المدرسة، وبالخصوص أكره هذا النشيد، الذي كنت فيه أرى تزييفا للحقائق، لينمو بعد ذلك وعيي رويدا رويدا، وأدركت أن الفوارق الطبقية ليست قضاء وقدرا إلهيا كما كان يقنعنا خطيب الجمعة، وهو يحثنا على الرضى بالفقر، فالدنيا جسر وليست دار قرار.

    تابعت دراستي كغيري من أبناء الفقراء، جامعا بين التعلم والعمل الدؤوب والشاق خلال أوقات العطل لتأمين حاجياتي الضرورية من ملابس وكتب، وأنا أبحث عن أي فرصة للشغل كيفما كانت، بعد حصولي على شهادة الباكالوريا، التحقت بمركز تكوين المعلمين، وتخرجنا من هذا المركز ونحن نحلم بخدمة الوطن وصناعة مجتمع المعرفة، لكن جغرافية المأساة كانت تمتد أمام المدرسين بحدود رهيبة، أو بتعبير أدق بلا حدود، فرعيات لا بشر فيها يسير ولا طير يطير، لا ماء لا كهرباء، لا طريق، لا مستوصف، لاشيء.. فقط حجرة بئيسة بلا نوافذ، وسقف مفتوح على الهواء الطلق، وسبورة تآكلت ولم يبق منها إلا قطعة صغيرة، تُربط بسلك معدني على مسامير صدأة تهدد الحجرة بالسقوط، وعملنا بجد ونضال، بحب وإيخاء، كنا نبشر التلاميذ بمغرب عادل وغد مشرق.

    لقد كان الغد المشرق نبراسنا الذي يمنحنا أملا قويا في ليل مظلمة، لذلك تابعت دراستي الجامعية وحصلت على الإجازة في علم الاجتماع، كنت أحاول فهم الوقائع الاجتماعية، لأن الوعي طريق التغيير، ولأن الإعلام يلعب دورا حاسما في تنوير الرأي العام، أصدرت جريدة لمنح صوت الحرية لكل المقهورين، وهنا بدأ مسلسل جديد من التضييق لدفعي إلى التخلي عن جرأتي، حيث أصبحت في نظرهم مشاغبا والمشكلة في اعتقادهم أنني مشاغب من الفئات المسحوقة أبناء الشعب والفقراء الذين لا يحق لهم أن يشاغبوا...

    لقد خدعنا التلاميذ، كما خُدعنا نحن بإمكانية قيام مغرب جديد، لسبب بسيط، جلي وواضح، هو أن الفساد أصبح مكونا من مكونات المغرب، أصبح الفساد وسادة ننام عليها، وهواء نستنشقه، وأياما نعدها لا تنتهي، ونحن نعلم أنها ستأتي بالمزيد من الفساد، لماذا؟

    لأن طغمة الفاسدين مازالت تعتبر المواطنين حشرات حقيرة، تسحقنا بلا مبالاة، هذه الطغمة نعرف زبانيتها، يوجدون في دواليب الدولة من أحزاب سياسية، ورجال أعمال مشبوهين، ومخزن متحجر، والكارثة أن نجد بعض المؤسسات النقابية بدل الانخراط في النضال الحقيقي، توجه سياطها لبعض الموظفين البسطاء، لتزيد من تأزيمهم، وتوسيع دائرة معاناتهم، مما يجعلنا نحن أبناء الشعب.. أبناء الفقراء بين السندان والمطرقة، بحر الظلم وراءنا، والمفسدون أمامنا.

    لكن صيرورة التاريخ التي يسميها "هيجل" بمكر التاريخ سائرة نحو أهدافها في أفق اكتمال العقل المتعقل الرافض للاستبداد والاستعباد، ليصبح هؤلاء المفسدون في مزبلة التاريخ، كما وقع عبر التاريخ الإنساني لشخصيات كانت تظن أنها أصبحت آلهة، لتفر صاغرة مذلولة، وما مثال زين العابدين أبشع الهاربين إلا دلالة على الفهم المتأخر الذي ينتهي بالرسوب في عالم السلطة والجاه، فالسلطة تتطلب سرعة البديهة والفهم السريع.

    إن مطلب أبناء الفقراء ليس قصرا للرئاسة، ولا قيادة في السياسة، أبناء الفقراء يتوقون لتحقيق طموحات صغيرة، ويتشوقون إلى الحرية، بعيدا عن القمع والعنف والإحباط، لأن الإحباط أخطر الأسلحة التي يمكن أن تدمر أمة بأكملها، سيما إحباط أحلام أبناء الفقراء، الذين يولدون في الحرمان، ويعيشون البؤس، ويناضلون من أجل تغيير واقعهم المشؤوم.

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 20, 2024 12:25 pm